تاريخ اليمين المتطرف الموازي لكرة القدم في فرنسا

جان ماري لوبان في مارسيليا

قبل بداية كأس العالم 1998 في فرنسا، شكك مؤسس الجبهة الوطنية – حزب فرنسي يميني مناهض للهجرة ومؤيد للاستقلال عن الاتحاد الأوروبي – جان ماري لوبان في انتماءات لاعبي المنتخب القومي لفرنسا واصفًا الفريق بالاصطناعي لما يضمه من لاعبين منتمين إلى أصول مختلفة ليست فرنسية خالصة، بل إلى مهاجرين من دول مختلفة بين شمال أفريقيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. الأمر الذي دعا إلى زيادة الضغوط على الفريق ومدربه إيمي جاكية، ما جعل كأس العالم بالنسبة للمنتخب الفرنسي يتجاوز فكرة كرة القدم واحتمالات الفوز والخسارة العادية، بل إلى ما هو أبعد من ذلك. منتخب العالم الفرنسي كما وصفته الصحافة أو منتخب السود والبيض والعرب كما هتفت له الجماهير الفرنسية كان يضم أصول مختلفة، من الجزائر (زين الدين زيدان)، الأرجنتين (ديفيد تريزيجية)، أرمينيا (يوهان جوركاييف)، غانا (مارسيل دوسايي)، السنغال (باتريك فييرا)، جوادلوب (تييري هنري وليليان تورام).

زيدان يهزم لوبان في سان دوني

فازت فرنسا في نصف النهائي على منتخب كرواتيا بهدفين لمدافع الفريق ليليان تورام والهدفين الوحيدين في مسيرة تورام مع المنتخب الفرنسي ليؤمن عبور فرنسا إلى النهائي، حتى يأتي دور زين الدين زيدان وهدفين في مرمى البرازيل في النهائي على ملعب فرنسا في ضاحية سان دوني بباريس. بأقدام ليست فرنسية خالصة، تفوز فرنسا بكأس العالم الأول والوحيد حتى الآن في تاريخها.

“أتذكر بمجرد دخولنا الملعب ورؤيتنا للاعبي البرازيل، كان من المستحيل أن نخسر، كانوا 11 لاعبًا وكنا ملايين” – ليليان تورام.

انتصار فرنسا لم يكن فقط في سان دوني، انتصار منتخب السود والبيض والعرب، إنتصار لتعدد الثقافات داخل المجتمع الفرنسي وهزيمة للوبان، الذي حول فكرة تعدد الأعراق داخل المنتخب الفرنسي لسبب كاف للهجوم عليه، ليدعم أجندة الحزب اليميني لوقف الهجرة من الدول غير الأوروبية وتصعيب عملية الحصول على الجنسية الفرنسية. التف الجميع حول المنتخب الفرنسي، المجتمع كان يرى في المنتخب انعكاسا لهم، لكل واحد منهم، فريق لكل الفرنسيين بمختلف الأعراق.

5_zidane1998

قبل عام من كأس العالم، في الانتخابات التشريعية في فرنسا 1997، حاز الحزب على أصوات 15% من الفرنسيين مؤكدا مكانته كثالث أهم حزب في فرنسا، بعد كأس العالم 1998 بعام، تضاءلت شعبية الحزب إلى 5.7% فقط.

يقول مؤلف كتاب إمبراطورية كرة القدم، لوران دوبوا: “الفوز بكأس العالم مثل وجهة نظر مغايرة لفرنسا: أننا جميعًا معا، جنبا إلى جنب وأنه يمكننا جميعا أن نكون جزءا من المجتمع الفرنسي.”

ضواحي البونليو تنتصر للوبان في سان دوني أيضًا

واجه المنتخب الفرنسي نظيره الجزائري في عام 2001 بعد عام من فوز فرنسا ببطولة يورو 2000 وبعد 3 أعوام من الفوز بكأس العالم على نفس الملعب. هوجم زيدان من قبل المشجعين الجزائريين، ووصفته بالخائن. المباراة التي كانت بعد أقل من شهر من أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، كان وقعها على المباراة واضحًا، حين نادت بعض الجماهير الجزائرية بإسم بن لادن في قلب ملعب فرنسا.

قبل انتهاء المباراة، اقتحم المشجعون أرض الملعب، الأمر الذي أثار غضب ليليان تورام والذي ظهر على الشاشة والجميع يحاول تهدئته، الأمر إلى وضحه فيما بعد وقال: “كنت غاضبًا، هؤلاء لم يفهموا حجم التأثير السياسي لما يقومون به، كل ذلك يغذي دائرة انعدام الثقة، لا يمكنك استنكار العنصرية وسط أفعال كتلك”.

1442140009555

رمزية سان دوني هُزمت بعد 3 أعوام، وهوية التعددية الثقافية التي عاشتها فرنسا في 1998 على نفس الملعب والتي دعمها كل الساسة بداية من جاك شيراك رئيس فرنسا إلى جميع الساسة وقتها ماعدا جان ماري لو بان والمنتمين له، اللحظة التي وصفها الكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس أنها ميلاد عهد تنويري جديد في فرنسا، الأمر إلى لم يدم طويلًا وبدا أنه ما عاشته فرنسا في 1998 بقى في 1998.

لم يتأخر لوبان عن استغلال ما حدث على أرض ملعب فرنسا في سان دوني لصالحه، بعد ثلاثة أعوام من هزيمته على تفس الملعب. بعد أيام قليلة أعلن جان ماري لوبان ترشحه للانتخابات الرئاسية  2002 من خارج الملعب، مؤكدًا أن هجرة الغير أوروبيين وبالأخص من شمال أفريقيا، تهديد للمجتمع الفرنسي وأن إندماجهم وسط الفرنسيين لم ينجح وأن فرنسا بحاجة إلى رجل مثله كي يعيدها إلى المسار الصحيح.

تمكن لوبان من الوصول إلى المرحلة النهائية من الانتخابات ولكنه خسر أما جاك شيراك ب 17.8% من الأصوات. الرقم والمرحلة الأفضل في تاريخ اليمين المتطرف في فرنسا حتى الآن.

في كأس العالم 2002، خرجت فرنسا حاملة اللقب من الدور الأول للبطولة بعد هزيمتين من السنغال والدنمارك وتعادل مع أوروجواي. بعدها في أمم أوروبا 2004 خرجت فرنسا على يد اليونان، وتبعها اعتزال زيدان عن اللعب الدولي، هو وآخرين وهم دوسايي وليزرازو وماكليلي وتورام.

ومع تصفيات كأس العالم 2006، عاد زيدان وتورام وماكليلي من الاعتزال الدولي لقيادة فرنسا إلى كأس العالم ومنه إلى النهائي الثاني لجيل يحمل الكثير من روح 1998، ولكن فرنسا خسرت النهائي أمام إيطاليا في نهاية الأمر.

على الصعيد الآخر الخاص بعائلة لوبان، فازت مارين ابنة جان ماري لوبان برئاسة الحزب اليميني في 2011 ولا زالت على رأس الحزب حتى الآن.

يورو2016: فرنسا تخسر كل شئ

الهجمات الإرهابية في نوفمبر 2015 في باريس يفسران الكثير مما حدث في فرنسا فيما بعد. في إستفتاء أخير في يونيو 2016 قبل الانتخابات الرئاسية 2017، كشف عن تفوق مارين لوبان على فرانسوا هولاند؛ 28% مؤيد لمارين لوبان مقابل 14% فقط للرئيس الحالي لفرنسا.

على الصعيد الكرويى وقبل بداية اليورو تم استبعاد كل من كريم بنزيمة ذو الأصول الجزائرية لأسباب أخلاقية وفالبوينا أيضًا لنفس السبب. مع إستبعد حاتم بن عرفة التونسي الأصل لأسباب فنية حسبما أكد ديديي ديشامب، قائد المنتخب الفرنسي في 98 ومدربهم الحالي. انضم عادل رامي المغربي الأصل بعد استبعاد رافاييل فاران لاعب ريال مدريد للإصابة.

رأى بنزيمة أن ديشامب استجاب لضغوطات الأحزاب العنصرية في فرنسا لاستبعاده ورأى كانتونا أيضا، نجم المنتخب الفرنسي السباق، أن استبعاد بنزيمة وبن عرفة، تم لأسباب عنصرية ليس إلا، ما دفع ديشامب إلى مقاضاة كانتونا قبل البطولة.

فيمار صرحت ماريون لوبان، حفيدة جان ماري لوبان، الوجه الصاعد في اليمين المتطرف في فرنسا عن بنزيما وقالت أن عليه أن يلعب لمنتخب الجزائر بناء على تصريحات مجتزأة من سياقها لحوار سابق لبنزيما في 2006 قبل أن يتخذ قراره باللعب لفرنسا أو للجزائر.

تؤمن عائلة لوبان بأن أصحاب البشرة البيضاء، هم فقط من يستحقون اللعب بإسم فرنسا، حتى ولو كان ذو أصول برتغالية ويهتف بالإسبانية بعد كل هدف.

في تقرير ل “الجارديان”، ترى بعض الجماهير أن بنزيمة برغب في اللعب لفرنسا دون أن يصبح فرنسيا، وهو ما يبدوا أنهم مؤيدين للوبان على الرغم من انتماءاتهم اليسارية حسب وصف التقرير. يرون أن بنزيمة يرغب فقط في إثارة إعجاب أبناء البونليو ليس إلا، ولإظهار كم هو مُعارض لفرنسا، مفسرين أنه لهذا السبب لا يغني النشيد الوطني قبل كل مباراة.

قبل بداية البطولة وقبل أن يعلم ليليان تورام أن فرنسا لن تفوز في المباراة النهائية أمام البرتغال، صرح كالتالي:

“بالتأكيد كرة القدم لا يمكنها أن تحل مشاكل سياسية في الأساس. ولكنها تسمح لنا أن نتشارك مشاعر واحدة، أن نكون سُعداء معا. تستطيع كرة القدم أن تجمع الناس معا في الفوز، تخلق إحساسا عارما بالنشوة.”
“سيكون ذلك السيناريو إن فازت فرنسا، ولن يقتصر الأمر على كرة القدم فقط، ولكنه سيكون حدثًا قوميًا، في حالة الفوز. سعادة الجماهير تساعد المجتمع على تقبل التعددية وحينها يمكن ألّا نقع في فخ “هم ونحن” الذي يحاول الساسة أن يؤصلوه”

خسرت فرنسا ما هو أكبر من اليورو وما يتجاوز كرة القدم ككل، كما كان فوزها بكأس العالم في 98 يتجاوز فكرة كرة القدم أيضًا.

أضف تعليق